تستعد القاهرة لافتتاح رسمي ضخم للمتحف المصري الكبير بعد أكثر من عقدين من التأجيلات، عند أقدام الأهرامات في الجيزة. يضم المتحف آلاف القطع التي تلخص حضارة وادي النيل على مساحة عرض دائمة تتجاوز 24 ألف متر مربع. ويصفه المسؤولون بأنه “أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين”، في لحظة تراهن فيها الحكومة على الثقافة لتجميل صورتها وسط أزمة اقتصادية خانقة، وارتفاع حاد في الأسعار، وتضخم يلتهم دخول المصريين، بينما يعاني المواطنون من قمع أمني متزايد يكمم الأصوات المعارضة.
يذكر موقع فرانس 24 أن المتحف الجديد يرمز لمحاولة الدولة تقديم “هرم رابع” للعالم، إذ شُيّد مبناه الزجاجي العملاق على طراز الأهرامات الثلاثة القريبة: خوفو وخفرع ومنقرع. صممت المشروع شركة هينجان بينج الأيرلندية، وجمعت داخله نحو مئة ألف قطعة من آثار الفراعنة تمتد عبر ثلاثين أسرة ملكية، نُصفها فقط معروض والنصف الآخر محفوظ في المخازن. يتوقع أن يجذب المتحف أكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً، في وقت تسعى فيه الحكومة لإنعاش اقتصاد مثقل بالديون وانهيار العملة وارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية.
يستقبل الزوار عند المدخل تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني بارتفاع أحد عشر متراً، نُقل من ميدان محطة مصر إلى موقعه الجديد بعد أن جال العالم مرتين. يجسد التمثال صورة القوة التي يحاول النظام المصري المعاصر أن يربطها بالماضي المجيد، بينما يعيش الحاضر على وقع الفقر والغلاء.
تتصدّر كنوز توت عنخ آمون قاعات العرض الكبرى، حيث تُعرض للمرة الأولى المجموعة الكاملة التي تضم خمسة آلاف قطعة اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عام 1922 في وادي الملوك. تشمل المجموعة القناع الذهبي الشهير والتابوت المكسو بالذهب والعجلات الحربية والمجوهرات الملكية، وتعيد تقديم الأسطورة التي شكّلت صورة الفراعنة في خيال العالم.
في مبنى منفصل، يعرض المتحف سفينة الشمس التي تعود إلى الملك خوفو، إحدى أقدم القطع الخشبية في التاريخ وأكبرها بطول 44 متراً. ويتيح الجناح المخصص لها مشاهدة عملية ترميم سفينة أخرى اكتُشفت عام 1987 خلف جدار زجاجي يسمح للزائرين بمتابعة العمل الحي للخبراء.
يُعد المتحف الجديد بمثابة بانوراما مفتوحة على التاريخ المصري. فقد بدأ المشروع عام 2002 في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن ثورة 2011، والأزمات الإقليمية، وجائحة كوفيد-19، أخرت إنجازه لأكثر من عشرين عاماً. يضم المتحف سلّماً هائلاً بست طبقات تصطف عليه تماثيل ملوك وملكات مصر، وينتهي بنافذة ضخمة تطل مباشرة على الأهرامات، في مشهد يربط الماضي بالحاضر في لفتة رمزية تقول إن السلطة الحالية ترث مجد الفراعنة.
توزّعت صالات العرض الاثنتا عشرة على حقب تمتد من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الروماني، وتشمل مناطق بحثية ومختبرات ترميم ومخازن مفتوحة أمام الباحثين، بما يجعل المتحف مؤسسة علمية وثقافية ضخمة بقدر ما هو وجهة سياحية. ومع اقتراب موعد افتتاحه في الرابع من نوفمبر 2025، تروج الحكومة للمتحف باعتباره “واجهة الحضارة المصرية الحديثة”، غير أن هذه العظمة المعمارية تخفي وراءها واقعاً صعباً لملايين المصريين الذين يواجهون تضخماً تجاوز 30% وارتفاعاً في أسعار الوقود والمواد الغذائية، وسط سيطرة أمنية مشددة وحريات متراجعة.
يرى كثير من المراقبين أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري، بل مرآة لعلاقة مصر الحديثة بتاريخها؛ علاقة تتأرجح بين الفخر بالماضي ومحاولة الهروب من أوجاع الحاضر. وبينما تصطف التماثيل على السلالم الحجرية لتروي مجد الملوك القدماء، يقف المواطن العادي في طوابير البنزين والخبز، شاهداً على مفارقة تاريخية لا تخطئها العين: حضارة عظيمة، وشعب يبحث عن الكرامة في زمن الغلاء.
https://www.france24.com/en/culture/20251101-five-things-to-know-about-the-new-grand-egyptian-museum-in-cairo

